مشاوير 84
الخضراء فضاء مترامي تتخلله الاودية والتباب .ولن انسى مشاويري الصباحية الى المدرسة .حيث كنت اقطع مسافة عشرة اميال.اجوبها وحدي مستمتعا بمشاهدتي لمعالم الطريق .يبدو كل شيء في غاية الهدوء الا ما تصدره عصافير مرت على الامكنة الساكنة نثرت عليها عبير السماء والحان الخلود .
كنت قد تعودت علي المرور علي المقبرة .كان جدي ينام في وسطها والي جواره آباؤه الاولين .وكلما اقتربت من الاضرحة المتلاصقة اشم روائح من عبير الجنة ..أقرأ الفاتحة على ارواحهم واطلب نجدتهم ان يعينوني على رفيقتي ليلى..ثم انحدر مع شراك الزيتون لاصل الى النهر .جف الماء لكن انفاس الناس مازالت تعطر المكان .يلتقون مع الفجر يسحبون جرار الماء قبل الشروق .ويتركون الجنيات يتجهزن للسباحة في الملكوت .كنت صغيرا جدا .واخاف من كل شيء.حتي انني عندما اكتشفت اول مرة ان ما كنت احسبه ثعبانا كان مجرد خيط اسود تندفع فوقه السيارات وان كانت قليلة المرور .وعرفت اخيرا انه الطريق العام .كان ذلك جميلا بل رائعا.اكتشفت ذلك قبل دخولي المدرسة .مرضت يومها مرضا شديدا لاذت امي اضرحة الأولياء واقام والدي الحضرة على اعتابي وقد اقترحت ذلك عرافة الخرمة الجميلة .واخيرا اكتري سيارة هزيلة اوصلتنا الى المستوصف .لا اذكر انني استنشقت روائح الادوية قبل ذلك ..ذلك اليوم فقط جربت الادوية والحقن .واشتري لي والدي الكوكبرنج من الاقواس .ورأيت الكنيسة بعظمتها لكن النواقيس لازالت تتدلى كما لو ان المسيح سيبعث من رواقها ..الطريق لاينتهي وحكاياه لاتنتهي ينتهي فقط الزمن في بعض الاحيان ..
رورقت مدامع الحاج المبروك وهو يسلك الممر الضيق الذي يفصل جدار الكنيسة علي المستوصف .ثم نظر يمينه وقال .كنا نهرب من الزحام وننتظر ماركوني ببزته السوداء الفضفاضة وهو يمسك بقائمة الصليب .كان يرتدي خوذة من القماش الاسود الا من مربع صغير تحت الذقن .نقف له على الناصية يمرر بالصليب على اجسادنا ثم يمسح علي رؤوسنا برفق .ثم يقول كان الرب في عونكم …
كان ذلك يوم الاحد ننتظره اثناء العودة وهو محملا بعلب الشكولاته وعصائر التفاح وخبز الفينو .نحن لانهتم لصلاتهم بقدر اهتمامنا بالخيرات التي يجودون بها علينا .كانت ثيابنا رثة وبالية ولا اظن ان المسيح سيقبلنا حتى لو اردنا ذلك .كنا مجرد مخلوقات غريبة تبحث عن الخبز الذي انكره المسيح وهو يقول ليس بالخبز وحده يعيش الانسان .
بقلمى
على غالب الترهونى