مشاوير 86
سلكنا درب الدخيلة كان عبارة عن ممر رملي ..صنعته حوافر الدواب .ذات عام كانت تمر منه قوافل الغلال التي تعرض إنتاجاتها على رصيف الخضراء.منذ الصباحات الاولي كانت القوافل تفد تباعا .تلتقي كلها من كل الاماكن .من الداوون والزيتونة ودوغة والساقية .كان الاطفال المتشوقين الذين جاءوا مصطحبين من ذويهم .كانت الدور التي تركها الطليان قد ابهرتهم .الشرفات والنوافذ المطلية اللون الازرق وأقواس الكنيسة التي تحيط بالمبنى من كل جانب .المدرسة الابتدائية التي انزوت قليلا على ذوق العمار .والمدرسة الاعدادية التي تتوسط البلدة ونوفذها الارضية مشرعة على الباحة الواسعة .كان الطريق قد أفضي اخيرا الى مزارع الزيتون والعنب الذي تتدلى ثماره على النواصي في مشهد يفتقر له سكان المدينة .المدينة التي لا تعرف الا العمارات التي تحاكي الموت في احسن احوالها .تحاكي البحر في أسوأ احواله .لم أر رمال في الشوارع المترامية الا ما قد جاء به رياح القبلي من القري الغاضبة .
وصلنا النهر العظيم انه نهر كامبس كما وصفته كتب التاريخ .لقد انحسر منذ اكثر من مائة عام .فاضت جلهتاه يمينا وشمالا .توافد الناس على ضفتية .اقاموا معسكرا ابدي ولد الكثير من الاطفال .لابد ان جدنا الاول من بين المواليد .كان يحب الماء كثيرا .لم يترك لنا الزمن زروع واراضي نفتخر بها .لكنه ترك لنا نضالات نعتز بها .قال والدي نحن اكلنا التراب عندما كنا صغارا لذلك حب الوطن يسكننا من الداخل .اما سكان المدينة تركوا حليب اماهاتهم ليأكلوا البريوش ويشربون الحليب المصنع ..نظر الي الحاج وقد ادمعت عيناه ثم قال .اذكر تماما عيون الماء في النهر .قاومت كثيرا عنف المستعمر وطغيان الزمن .كنا نفد اليها منذ الصباحات الأولي وكانت تحوم حولنا نوارس بيضاء اختفت الان .ربما تسبح الان فوق المنارة في المدينة القديمة او جذبتها روائح السمك على شاطئ المتوسط .فجأة توقف الي جانب شجرة رمان تدلت حباته الحمراء كجوفه الجميل واستطرد قائلا.كان والدي يقيم معسكره هنا .صحيح ان المكان لم يكن بهذا الجمال لكن الضفة قريبة كما تري .كنت صغير وكان والدك يطارد شبحي اينما أكون وكثيرا ماكنت اتشاجر معه في المكان نفسه .اشعر بانفاسنا تحتفي بنا .سنصعد هذا التل هيا بنا .
على غالب الترهوني
بقلمي